يتصدر السوق السعودي المشهد الاستثماري في المنطقة، ويبرز كأحد أكبر أسواق المال في الشرق الأوسط لما يتمتع به من عمق مالي وإطار تنظيمي متطور. تأسس سوق الأسهم السعودي "تداول" رسميًا عام 2007 لإدارة السوق، موفرًا للمتداولين السعوديين منصة شفافة وآمنة لتداول الأسهم والصكوك والصناديق الاستثمارية. يعزز هذا السوق ثقة المتداولين المحليين والأجانب، ويدعم النمو الاقتصادي المستدام للمملكة، مسهمًا في جعلها محورًا ماليًا إقليميًا يتمتع بالاستقرار والقدرة على جذب الاستثمارات.
تقوم هيئة السوق المالية CMA في المملكة العربية السعودية بدور حيوي في ضمان سلامة ونزاهة السوق، فهي الجهة الرقابية المسؤولة عن تنظيم ومراقبة جميع الأنشطة المالية داخل المملكة. تركز الهيئة على حماية حقوق المتداولين، وضمان شفافية المعلومات المالية، وفرض الالتزام بالمعايير القانونية والحوكمة للشركات المدرجة. كما تعمل على تطوير السوق باستمرار، من خلال إدخال أدوات مالية مبتكرة، وتسهيل عملية إدراج الشركات، وتعزيز ثقافة الاستثمار بين الجمهور المحلي والأجنبي.
تسهم الهيئة أيضًا في تحقيق استقرار السوق، من خلال مراقبة التداول ومنع الممارسات الاحتيالية أو التلاعب بالأسعار، ما يعزز ثقة المتداولين ويشجع على ضخ رؤوس الأموال في الاقتصاد الوطني. بفضل دورها، استطاع السوق السعودي أن يكتسب مكانة مرموقة إقليميًا ودوليًا، حيث أصبح بيئة موثوقة للاستثمار، تجمع بين النمو والشفافية والمرونة في التعامل مع المتغيرات الاقتصادية العالمية.
الفروق بين السوق الرئيسي وسوق نمو
يستهدف السوق الرئيسي Main Market في السوق السعودية Tadawul "تداول" الشركات الكبرى أو ذات النمو المستقر، والتي لديها سجل مالي متين وتاريخ عمليات موثوق. تُدرَج فيه الأسهم و الصناديق مثل صناديق المؤشرات والصناديق المغلقة، وكذلك الصكوك والسندات في بعض الأحيان.
في المقابل، صُمِّم سوق نمو Nomu – Parallel Market ليكون منصة مرنة للشركات الصغيرة والمتوسطة، التي قد لا تستوفي متطلبات السوق الرئيسي الصارمة. في نمو، تُتاح أساسًا أسهم الشركات، وأحيانًا يمكن أن تكون هناك صناديق، لكن بمتطلبات إدراج أخف وأكثر مرونة مثل الأداء المالي لسنة واحدة فقط وعدم اشتراط الربحية كما أن بعض الشركات المدرجة في نمو يمكن أن تنتقل لاحقًا إلى السوق الرئيسي إذا استوفت الشروط.
من حيث المستثمرين، فإن سوق "نمو" محدود غالبًا إلى “المستثمرين المؤهلين” (qualified investors)، مما يجعله أكثر مخاطرة مقارنة بالسوق الرئيسي. وفيما يلي جدول لتبيان أهم الفروقات بين السوق الرئيسي وسوق نمو في السوق السعودية:
من حيث
السوق الرئيسي
سوق نمو
متطلبات القيد
مرتفعة
منخفضة
المخاطر
منخفضة – متوسطة
مرتفعة
الجمهور المستهدف
عموم المستثمرين
المستثمرون المؤهلون
المنتجات المتداولة
أسهم – صناديق – صكوك
أسهم غالبًا
القطاعات الرئيسية في سوق "تداول"
في سوق تداول، تلعب عدة قطاعات دورًا محوريًا في هيكلة السوق وتنمية طابع الاستثمار المحلي. سنستعرض هنا أبرز هذه القطاعات، ولماذا تهم المستثمر السعودي، مع بعض الأسهم الرائدة التي غالبًا ما يلحظها المتداول عند بناء محفظته.
الطاقة والبتروكيماويات السعودي
يشكل قطاع الطاقة والبتروكيماويات يشكّل ما يشبه العمود الفقري في سوق "تداول"؛ فبالرغم من التقلبات العالمية في النفط، تبقى الشركات الكبرى مثل أرامكو وشركات البتروكيماويات محورية في القيمة السوقية لتداول. تمثل شركات الطاقة نحو 72٪ من القيمة السوقية المدرجة في تداول، كما أن أرامكو تمتلك تأثيرًا ضخمًا حوالي 67٪ من القيمة السوقية لتداول في الآونة تعود إلى أرامكو وحدها.
تتجسد أهمية التداول في هذا القطاع في قدرة المستثمر على استغلال تأثيرات أسعار النفط العالمية، بالإضافة إلى النمو طويل الأجل في الطلب على المواد الكيميائية. وأبرز أسهم الشركات الرائدة في قطاع الطاقة والبتروكيماويات على تداول نذكر:
SABIC : رمز السهم 2010 ، من أهم شركات الكيماويات؛ القيمة السوقية حسب تقريرها حوالي 250.5 مليار ريال سعودي.
Saudi Aramco: رمز السهم 2222، وتعد أرامكو السعودية عملاق النفط في المملكة ولها الوزن الأكبر في سوق تداول.
Petro Rabigh: رمز السهم 2380 وهي شركة تكرير وبتروكيماويات مشتركة (أرامكو – مرتبطة بالقطاع).
ينساب Yanbu National Petrochemical Company: رمز السهم 2290 وهي شركة بتروكيماوية كبيرة، تستفيد من التكامل الصناعي مع سابك وتنتج مجموعة كبيرة من المنتجات مثل الإيثيلين والبروبيلين.
البنوك والاتصالات في السعودية
يُعد القطاع البنكي من أكثر القطاعات نشاطًا في تداول، سواء من حيث حجم التداول أو الأهمية الاقتصادية، خاصة مع دور البنوك في تمويل المشاريع الضخمة لرؤية 2030. أما قطاع الاتصالات – من خلال شركات مثل STC – فهو محرك للرقمنة والبنية التحتية الرقمية في المملكة. هذا المزيج يجعل القطاع جذابًا للمستثمرين الراغبين في مزيج من الاستقرار والعائد المحتمل المستمر.
قدّم قطاع البنوك حوالي 16.89٪ من إجمالي قيمة التداول في السوق السعودية في الفترة الأخيرة، وفقًا لتقارير صحفية استنادًا لتقارير تداول، بلغت قيمة تداول البنوك في Q4/2024 66.42 مليار ريال، ومنأبرز الأسهم في قطاع البنوك والاتصالات السعودية نذكر:
بنك الراجحي Al Rajhi: أحد أكبر البنوك الإسلامية في العالم ومن أبرز البنوك في تداول.
البنك الأهلي السعودي SNB: بنك كبير وسيولة مرتفعة.
شركة الاتصالات السعودية STC: رأس مال سوقي مهم جدًا؛ على سبيل المثال، تقدر قيمتها السوقية بـ 57.41 مليار دولار (حوالي 215 مليار ريال سعودي).
بنك الرياض: من البنوك الكبيرة التي تلعب دورًا مهمًا في السوق المحلي.
العقار والإنشاءات والصناعات الأخرى
مع التوسع العمراني الضخم الذي تشهده المملكة في إطار رؤية 2030، يبرز قطاع العقارات والإنشاءات كفرصة استثمارية استراتيجية. المستثمرون لا يقتصرون على الأسهم العمرانية فقط، بل يستفيدون أيضًا من صناديق الاستثمار العقارية REITs التي تمنحهم تعرضًا إلى العقارات دون الحاجة لشراء أصول مباشرة. إلى جانب ذلك، تأتي بعض صناعات البناء مثل الأسمنت لتكمّل الصورة الاستثمارية هذا القطاع.
حسب تقرير" تداول" الأخير تقدر القيمة السوقية الإجمالية للسوق بنحو 10,200.24 مليار ريال بنهاية العام و بلغ عدد الأسهم المتداولة حوالي 40 مليار سهم. ومن أهم الأسهم في هذا القطاع نذكر:
أسمنت الرياض: شركة أسمنت محلية استراتيجية في البناء والبنية التحتية.
جدوى ريت السعودية: صندوق عقاري مدرج يتيح للمستثمرين دخلاً من القطاع العقاري بدون امتلاك مباشر للعقار.
بنيان ريت: يركّز على الأصول العقارية السكنية والتجارية داخل المملكة.
سيكو السعودية ريت: يمنح تعرضًا متنوعًا لعقارات داخلية من خلال وحدات استثمارية.
لماذا يهم المستثمرون المحليون والأجانب؟
يستقطب السوق السعودي اهتمام المستثمرين المحليين والأجانب بفضل فرص النمو الاقتصادي المستدام واستقرار البيئة الاستثمارية التي يوفرها. يسعى المستثمرون المحليون إلى تنمية مدخراتهم وتحقيق عوائد منتظمة من خلال الأسهم والصناديق وصكوك الاستثمار، مستفيدين من التنوع الكبير في القطاعات الاقتصادية مثل الطاقة والبنوك والعقارات.
يحرص المستثمرون الأجانب على الاستثمار في السوق السعودي للاستفادة من قوة الاقتصاد الوطني، والاستثمارات السيادية التي تنفذها الدولة في مشاريع كبرى ضمن رؤية 2030، ما يتيح لهم مزيجًا من الاستقرار والعائد الجاذب. كما تلعب السيولة العالية وحجم السوق الكبير دورًا مهمًا في جذب رؤوس الأموال الأجنبية، إذ يجد المستثمرون القدرة على دخول السوق والخروج منه بسهولة مع متابعة دقيقة لأداء الشركات والمؤشرات.
مؤشرات السوق السعودي
تشكل مؤشرات السوق السعودي أدوات أساسية لقياس أداء السوق وتوجيه قرارات المستثمرين، فهي تعكس حركة الأسعار وتغيرات القيمة السوقية للشركات المدرجة. تساعد هذه المؤشرات على فهم اتجاهات السوق، وتقييم أداء القطاعات المختلفة، وتقدير مستوى المخاطر والفرص المتاحة، ما يجعلها مرجعًا مهمًا لكل متداول يسعى لاتخاذ قرارات استثمارية مبنية على بيانات دقيقة وموثوقة.
مؤشر السوق السعودي (تاسي TASI)
يعكس مؤشر تاسي الأداء الكلي لسوق الأسهم السعودي، ويشمل جميع الشركات المدرجة في السوق الرئيسي. يعكس المؤشر حركة الأسعار وحجم التداول، ويتيح للمستثمرين متابعة الاتجاه العام للاقتصاد السعودي من خلال أداء الشركات الكبرى في القطاعات الرئيسة مثل الطاقة والبنوك والاتصالات.
و يستخدم تاسي كمرجع لتقييم أداء المحافظ الاستثمارية ومقارنة العوائد على المدى الطويل مع أداء السوق العام، مما يسهم في وضع استراتيجيات تداول فعّالة.
مؤشر السوق الموازية (نمو Nomu)
يركز مؤشر نمو على أداء الشركات المدرجة في السوق الموازية، ويضم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تبحث عن فرص نمو وتوسع. يوفر هذا المؤشر إشارات للمستثمرين حول اتجاهات الشركات الناشئة والأكثر ديناميكية، ويساعد على تقدير مستوى المخاطر مقارنة بالسوق الرئيسي.
كما يعكس نمو أهمية الابتكار والاستثمار في القطاعات الحديثة، ويتيح للمستثمرين تنويع محافظهم الاستثمارية عبر استهداف أسهم شركات واعدة توفر فرص نمو محتملة على المدى الطويل.
العوامل الاقتصادية المؤثرة على السوق
تؤثر العوامل الاقتصادية بشكل مباشر على أداء السوق السعودي، وتحدد اتجاهات التداول ومستوى المخاطر والعوائد المتوقعة، وتساعد المعرفة الدقيقة بالعوامل الاقتصادية على وضع استراتيجيات تداول مدروسة وتحقيق أفضل النتائج ضمن بيئة السوق المتغيرة وسنتناول الآن أهم العوامل الاقتصادية المؤثرة على السوق السعودي.
أسعار النفط والاقتصاد الكلي
تتحكم أسعار النفط في أداء الاقتصاد السعودي بشكل كبير، لما يمثله القطاع النفطي من نسبة عالية في الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات الحكومية. يتفاعل السوق مباشرة مع أي تغييرات في أسعار النفط العالمية، حيث تؤثر على أرباح شركات الطاقة وميزانيات الدولة، وبالتالي على معنويات المستثمرين.
كما تؤثر المؤشرات الاقتصادية الكلية مثل معدل التضخم و البطالة و والنمو الاقتصادي على ثقة المتداولين وقدرتهم على ضخ رؤوس الأموال، ما يجعل متابعة هذه العوامل أمرًا حيويًا لضمان استقرار الاستثمارات.
السياسات الحكومية و"رؤية 2030"
تسعى السياسات الحكومية ورؤية 2030 إلى تحويل الاقتصاد السعودي نحو التنوع والاستدامة، ما يفتح آفاقًا جديدة للاستثمار في قطاعات غير نفطية مثل السياحة، الترفيه، والطاقة المتجددة. تشجع هذه السياسات المستثمرين على ضخ رؤوس الأموال في مشاريع طويلة الأجل توفر عوائد مستقرة، كما تعزز بيئة الأعمال من خلال إصلاحات تنظيمية وحوافز مالية.
يراقب السوق بانتظام مبادرات الحكومة ويستجيب لها، إذ يخلق كل مشروع ضمن رؤية 2030 فرصًا استثمارية جديدة تسهم في نمو الاقتصاد الوطني وزيادة جاذبية السوق المحلي للأجانب.
من يتداول في السوق السعودي وكيف؟
يشهد السوق السعودي نشاطًا مستمرًا من فئات متنوعة من المستثمرين، حيث يلعب كل منهم دورًا مهمًا في سيولة السوق وتحديد اتجاهاته
المستثمرون المحليون مقابل الأجانب
يهيمن المستثمرون المحليون على حجم التداول في السوق السعودي، مستفيدين من المعرفة الدقيقة بالبيئة الاقتصادية والسياسات الحكومية، ويبحثون غالبًا عن عوائد مستقرة وفرص نمو طويلة الأجل.
أما المستثمرون الأجانب، فيركزون على القطاعات ذات السيولة العالية والقيمة السوقية الكبيرة مثل الطاقة والبنوك، ويستثمرون لجني عوائد جذابة مع الاستفادة من الاستثمارات السيادية والمشروعات الوطنية الكبرى. يخلق توازن بين المحليين والأجانب ديناميكية السوق ويحفز التنافسية بين المستثمرين.
أدوات التداول في السوق لسعودي
يتيح السوق السعودي للمتداولين مجموعة واسعة من الأدوات الاستثمارية تتناسب مع مستويات المخاطرة المختلفة:
الأسهم: توفر فرصة لامتلاك جزء من الشركات المدرجة والاستفادة من أرباحها وتوزيعاتها.
العقود: تشمل العقود المستقبلية والخيارات، وتتيح التحوط أو المضاربة على تحركات الأسعار.
صناديق المؤشرات (ETFs): تعكس أداء مؤشرات السوق المختلفة، مما يسهل متابعة أداء القطاع أو السوق بأكمله بدون الحاجة لاختيار أسهم فردية.
الأسئلة المتكررة حول ما هو السوق السعودي؟
يضم السوق الرئيسي الشركات الكبيرة ذات رأس المال المرتفع والتاريخ الطويل، مع التزام صارم بمعايير الحوكمة، بينما يركز سوق نمو على الشركات الصغيرة والمتوسطة الباحثة عن توسع وتمويل، بإجراءات قيد أبسط ومخاطر أعلى. يسمح كلا السوقين بتداول الأسهم والصناديق والصكوك، لكن السوق الرئيسي يوفر استقرارًا وأرباحًا منتظمة، وسوق نمو يقدم فرص نمو وعوائد محتملة أعلى.
يمكن للأجانب الاستثمار بعد استيفاء الشروط القانونية وفتح حساب لدى وسيط معتمد والحصول على الترخيص من هيئة السوق المالية. يتيح الاستثمار في الأسهم والصناديق والمشاريع الكبرى ضمن رؤية 2030، ويعزز الثقة في السوق والسيولة مع فرص التنويع بين القطاعات المختلفة.
يجب اختيار وسيط مرخّص من هيئة السوق المالية CMA لضمان حماية الأموال والحقوق، مع التأكد من السمعة والخبرة وجودة الخدمات التقنية. يفضل التحقق من تنوع الأدوات الاستثمارية مثل الأسهم والصناديق والعقود، وسهولة الوصول للبيانات، لضمان تداول آمن وشفاف واتخاذ قرارات استثمارية دقيقة.