ما هو تداول الفوركس؟
تداول الفوركس هو عملية شراء وبيع العملات الأجنبية في سوق الصرف الأجنبي، حيث يهدف المتداولون إلى تحقيق أرباح من تقلبات أسعار العملات و يتم تنفيذ هذه التجارة من خلال منصات إلكترونية متخصصة، حيث يشمل تداول الفوركس العملات الرئيسية والثانوية من جميع أنحاء العالم. يتأثر سوق الفوركس بالعديد من العوامل، مثل الأحداث الاقتصادية والسياسية العالمية وتطورات الأسواق المالية.
التداول في سوق الفوركس يشمل شراء عملة وبيع عملة أخرى في نفس الوقت، وبالتالي يتم الربح من فارق أسعار العملات حيث يعتبر هذا النوع من التجارة عالي السيولة ويعمل على مدار الساعة على مدار خمس أيام في الأسبوع، مما يجعله جاذبًا للعديد من المستثمرين والمتداولين حول العالم.
ومع زيادة شهرة تداول الفوركس، أثارت مسائل تتعلق بالجوانب الشرعية والأخلاقية لهذه التجارة اهتمام علماء الدين والمفتون الإسلاميين حيث يستند تحليل حكم تداول الفوركس في الشريعة الإسلامية إلى تفسير القواعد والمبادئ الدينية وتطبيقها على هذا النوع من الأنشطة المالية.
ما هي الرافعة المالية؟
الرافعة المالية، والمعروفة أيضًا بالهامش أو الليفيريج، هي مفهوم يستخدم في تداول الفوركس والاسواق المالية الأخرى حيث تسمح الرافعة المالية للمتداولين بالتحكم في مراكز تداول تتجاوز قيمتها الفعلية بمبلغ أصغر من الأموال التي يودعها المتداول، فعلى سبيل المثال، إذا كانت الرافعة المالية 1:100، فإنه يمكن للمتداول التحكم في مركز تداول بقيمة 100 دولار باستخدام 1 دولار فقط من الأموال الخاصة.
بمعنى آخر، الرافعة المالية تسمح للمتداولين بالمضاربة بمبالغ أكبر مما يمتلكونه فعليًا. وهذا يتيح لهم فرصة لتحقيق أرباح أكبر إذا تمت الصفقة بنجاح. ومع ذلك، يجب أن يُؤخذ في الاعتبار أن الرافعة المالية تزيد من الفرص لتحقيق أرباح كبيرة، ولكنها في الوقت نفسه تزيد من مخاطر الخسارة أيضًا. و إذا تم التداول بسوء تقدير أو إدارة غير فعالة للمخاطر، يمكن أن يؤدي استخدام الرافعة المالية إلى خسائر كبيرة بسرعة.
ما هو حكم التداول في سوق الفوركس؟
دعونا الآن نعود إلى موضوع المقالة، حيث سنتناول حكم تداول الفوركس في الشريعة الإسلامية فقد قدمنا في البداية شرحًا مفصلًا لمفهوم الفوركس، وهو عبارة عن عملية شراء وبيع العملات الأجنبية في سوق الصرف الأجنبي بهدف تحقيق أرباح من تقلبات أسعار العملات. كما تطرقنا إلى مفهوم الرافعة المالية، وهي الأداة التي تمكن المتداولين من التحكم في مراكز تداول بمبالغ أكبر مما يمتلكونه فعليًا.
يجدر بنا التأكيد هنا على أننا لا نملك الحكم في أي مسألة فقهية من الناحية الشرعية، و إن ما سنعرضه في هذا المقال هو آراء متخصصين في الفقه الإسلامي وعلماء دين معتبرين، الذين قد قاموا بتقديم تفسيراتهم وآرائهم حول مدى توافق تداول الفوركس مع القواعد والمبادئ الإسلامية حيث يهدف هذا التقديم إلى تقديم وجهات نظر متعددة حول هذه المسألة، وإلقاء الضوء على مفاهيمها وتحدياتها من خلال منظور ديني، والآراء التي نعرضها هنا هي:
- حكم الفوركس من دار الإفتاء.
- حكم الفوركس من الأزهر الشريف.
- حكم الفوركس من موقع إسلام ويب.
- حكم الفوركس ابن باز.
حكم الفوركس دار الإفتاء
تناولت دار الإفتاء المصرية موضوع حكم تداول الفوركس في مجموعة من اللقاءات والمواضع، حيث أبدى أعضاؤها آراء متفاوتة. حول مسألة حكم الفوركس، أكدت دار الإفتاء المصرية أنه يأخذ أشكالا متعددة، وأن حكمه يُعتبر حلالًا إذا تم التقيد بالمحاذير الشرعية وهذا لأن الأصل في المعاملات الإباحة ما لم يطرأ عليها ما يخالف الشريعة الإسلامية وذلك أيضا طبقا لقوله صلى الله عليه وسلم ((الحلال بين والحرام بين)).
وفي إحدى اللقاءات التلفزيونية، أبدى الدكتور أحمد وسام، أحد علماء دار الإفتاء المصرية، وجهة نظره بشأن حكم تداول الفوركس. بدايةً، أشار إلى أن هناك رأيًا سابقًا في دار الإفتاء يعتبر تداول الفوركس محظورًا شرعًا، ولكن تم تقديم وجهة نظر أخرى تعتبرها حلالًا. في هذا السياق،
بعد استقصاء آراء دور الإفتاء في العديد من البلدان العربية، مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وفلسطين، وغيرها، تبيَّن أن حكم تداول الفوركس يعُتبر حلالًا، طالما انتفى التعامل مع المحظورات الشرعية. سنقوم في الأقسام اللاحقة من المقال بشرح تلك المحظورات في حكم تداول الفوركس من الأزهر الشريف.
حكم سوق الفوركس من الأزهر الشريف
ننتقل الآن إلى حكم تداول الفوركس استنادًا إلى رأي أحد العلماء المنتسبين إلى الأزهر الشريف، وهو الشيخ عبد الله رشدي. يعد الشيخ عبد الله رشدي واحدًا من الشخصيات المعروفة بمناظراته وحواراته الدينية، وقد عُرِف أيضًا بتقديمه لبرامج دينية على قناة الفجر الفضائية.
بدأ الشيخ عبد الله رشدي حديثه بتعريف سوق الفوركس، حيث شرح أنه سوق يتم فيه بيع وشراء العملات بهدف تحقيق الربح نتيجة الفرق بين سعر البيع والشراء، و أشار إلى أن وسيط التداول يوفر رافعة مالية تمكن المتداولين من تضاعف رأس المال. و هذا التعريف عزيزي القارئ يتماشى مع ما سبق ذكره.
وتابع الشيخ عبد الله رشدي حديثه عن أنه لا يوجد خلاف بين العلماء المعاصرين حول المعاملة ذاتها في تداول الفوركس، وهي بيع وشراء العملات. ومع ذلك، ينشأ الخلاف في بعض النقاط المحددة، وهي:
- التقابض.
- الرافعة المالية.
- الجمع بين السلف والمعاوضة.
- مفهوم الغرر والضرر.
التقابض وحكمه في تداول العملات
في سياق فهم مفهوم التقابض، يُقصد بهذا المصطلح تسليم العملات بشكل مباشر وفوري، حيث يتطلب أن يتسلم المشتري العملة المقابلة لتلك التي أتم البائع عملية البيع بها. ويعكس هذا المفهوم أهمية الالتزام بتنفيذ المعاملات على الفور دون تأجيل، ويبرز تفضيل الإتمام السريع للتبادلات المالية. وهنا، تأتي أهمية الالتزام بمبدأ العدالة والشفافية في عمليات الشراء والبيع وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر صاع بصاع يدا بيد)).
و من الجدير بالذكر أن مجامع الفقه الإسلامي قد قررت جواز مفهوم التقابض، ولكن بشروط معينة تماشيًا مع القواعد الشرعية. وبدلاً من التسليم الفوري للعملات، يمكن تحقيق هذا المفهوم من خلال التقابض الحكمي أي ما في حكم التقابض العيني الذي يتم بشكل مباشر وفوري و يتحقق التقابض الحكمي في استخدام حسابات بنكية أو ما شابهها حيث يتيح هذا النهج تبسيط العمليات المالية وتحقيق التناغم مع الأحكام الشرعية المعمول بها. في هذا السياق، يتضح السعي إلى التوافق ما بين متطلبات التجارة والمال والضوابط الدينية.
بهذا النهج، يُمكن تحقيق التبادلات المالية بكفاءة وبشكل مطابق للقواعد الشرعية، وذلك من خلال تقنيات مالية حديثة تسهم في تنظيم العمليات المالية بشكل أكثر فعالية وشفافية. ويظهر من هذا التفسير أهمية التطبيق الجاد للقوانين الشرعية والمبادئ التجارية في سياق التقابض ومفاهيم التجارة المالية.
الرافعة المالية في حكم تداول العملات
فيما يتعلق بالرافعة المالية، يُقصد بها آلية تمكن المتداولين من زيادة حجم رأس المال المستثمر بمقدار أعلى مما لديهم في الأصل. ومع أن هذه الآلية قد تبدو مجدية للمستثمرين في تحقيق أرباح أكبر، فإنها تثير بعض المسائل الشرعية حيث يقوم الوسيط في هذه الحالة بمنح المستثمر إمكانية التداول باستخدام رأس المال المتضخم، وهذا يعني أن الرافعة المالية قد تتجاوز قيمة الأموال الحقيقية المستثمرة.
من الجانب الشرعي، يُعرَف هذا النوع من التعامل بأنه يُشابه أحكام الربا، الذي يعد من الممارسات المحظورة في الإسلام. ويعتبر الربا تكاثرًا غير مشروع للمال بمقابل لا يتناسب مع قيمته الحقيقية، وهو أمر يعمل على تحقيق فوائد غير مشروعة من التمويل. لذا، يُعتبر استخدام الرافعة المالية في هذا السياق تجاوزًا للحدود الشرعية ومحرمة وذلك لقوله تعالى ((يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين)).
مع ذلك، ينبغي التنويه إلى أن هناك شركات تداول تتبنى نهجًا مختلفًا. تُقدم بعض الشركات الرافعة المالية دون فوائد تبيت أو رسوم إضافية كقرض تمويلي وليس ربويا. هذا النوع من الشركات يُسهم في تحسين الشفافية والتوافق مع القواعد الشرعية مما يُظهر ذلك السعي إلى توفير بيئة تجارية تُلبي متطلبات الاستثمار والتداول وفقًا للقواعد والقيم الإسلامية. ويمكنك الاطلاع على مقال أفضل شركات التداول في العالم حيث ستجد قائمة بأفضل هذه الشركات.
الجمع بين سلف ومعاوضة في التداول
بخصوص الجمع بين السلف والمعاوضة، أشار الشيخ عبد الله رشدي إلى وجود نص فقهي يمنع هذا النوع من التعامل حيث يتضمن هذا النهج دمج السلف والمعاوضة في صفقة واحدة وهو لا يجوز. وهذا ينطبق على الرافعة المالية عند استخدام السلف (المقدمة) لتحقيق هدف معين مثل التداول في العملات. ويُحظر بموجب هذا النص ترتيب السلف لغرض واحد والمعاوضة لغرض آخر في نفس الصفقة، وهو ما قد يشكل تلاعبًا في السوق وإفسادًا للنزاهة.
بالإضافة إلى ذلك، أشار الشيخ عبد الله رشدي إلى وجهات نظر بعض العلماء المعاصرين، حيث يرون أن الرافعة المالية لا تعد بصورة قرض أو سلف تقليدي، بل هي عبارة عن عقد تمويل جديد يندرج ضمن الأنماط المعاصرة للتجارة المالية. هذا النهج ينطلق من الفرضية بأن الرافعة المالية تقدم لأغراض تمويلية ولا تتضمن التجاوز على الأمور المحظورة شرعا.
مفهوم الغرر والضرر في تداول الفوركس
فيما يخص مفهوم الغرر يعبر هذا المصطلح عن تضخيم الآمال والطموحات بشكل غير واقعي في سياق تداول الفوركس حيث إنها عبارة عن تخيلات تضخم حجم الأرباح المتوقعة من هذا النوع من التداول. أما المفهوم المرتبط بالضرر، فيشير إلى عدم التنويه للمخاطر والخسائر المحتملة التي يمكن أن تنجم عن عملية التداول، خاصة إذا انعكست التوقعات بشكل عكسي.
في هذا السياق، تحدث الشيخ عبد الله رشدي عن مبدأ الغرر والضرر، الذي يعد من المبادئ غير المقبولة في الشريعة الإسلامية حيث جاء في الحديث الشريف ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر)) رواه مسلم. ويشير إلى أن هذه المبادئ تتعارض مع تعاليم الإسلام وتهدف إلى تحقيق أرباح مبالغ فيها دون الأخذ بالاعتبار المخاطر المصاحبة والتي قد تؤدي إلى خسائر مالية.
وفي هذا الإطار، يُلاحظ أن القوانين الرقابية المتعلقة بتنظيم سوق الفوركس تلزم وسطاء التداول بنشر تحذيرات وإشعارات بشأن المخاطر المحتملة المرتبطة بعملية التداول. هذه الإشعارات تأتي كإجراء لتوعية المستثمرين وتبيان لهم تلك المخاطر المحتملة. إن وجود هذه الإشعارات والتحذيرات قد يقلل من مفهوم الضرر والغرر الذي يمكن أن يترتب على عمليات التداول، وبالتالي يُسهم في تحقيق توازن أكبر بين القيم الشرعية والأنشطة المالية.
هل الفوركس حلال أم حرام إسلام ويب
ننتقل الآن إلى الحكم الأخير المتعلق بتداول الفوركس، والذي صدر عن إحدى المواقع المتخصصة في الأحكام الفقهية، ويتعلق بموقع "إسلام ويب"، المعروف والمشهور بتناول مثل هذه المسائل.
فإذا قررت البحث في مجموعة من الفتاوى الصادرة عن الموقع بخصوص حكم تداول الفوركس واستخدام الرافعة المالية، ستجد أن الحكم المستخرج يتلخص في عدم جواز التداول في الفوركس، نظرًا للمحاذير التي تم ذكرها سابقًا.
وإذا قمت بمزيد من البحث، ستجد أيضًا فتوى تتناول جواز التداول في سوق الفوركس، شريطة تجنب المحاذير الشرعية. و يمكن أن تلقي نظرة على الصورة الشاملة الموضحة أدناه:
حكم الفوركس ابن باز
يرى الشيخ عبد العزيز بن باز، المفتي السابق للمملكة العربية السعودية والعالم الجليل في مجالات الدين والحديث والفقه، أن تداول الفوركس جائز إذا كانت المعاملة تتعلق ببيع وشراء العملات.
ولكن ذلك بشرط التقابض العيني، أي أن يتم التسليم يدًا بيد عند تبادل العملات المختلفة. كما أشرنا سابقًا إلى مفهوم التقابض العيني، فقد أشار الشيخ إلى ضرورة تحقيقه في هذه المعاملات وخصوصا اذا كانت العملات مختلفة.
ومع ذلك، يرى بعض العلماء أنه إذا تحقق ما يُعرف بالتقابض الحكمي، مثل إرسال الأموال عبر الحسابات البنكية، فإن المعاملة تُعتبر جائزة أيضًا.
حكم الفوركس الإسلامي
وعندما نتطرق إلى حكم التداول في سوق الفوركس وما يُعرَف بحسابات التداول الإسلامي، التي تخلو من فوائد التبييت كما تم الإشارة إليه في الأعلى، يتجلى أن هذا الأمر يتوقف على شرط أساسي، وهو أن تكون هذه الحسابات خالية من المحاذير التي تم ذكرها سابقاً.
وعند التحدث عن الجوانب التي ناقشها الشيخ عبد الله رشدي فيما يتعلق بالتقابض وموقف الفقهاء منه، يظهر أن بعضهم قد أجاز التعامل به، وكذلك فيما يتعلق بالرافعة المالية، حيث قد أعتبرها بعض الفقهاء المعاصرين عقد تمويل جديد. وبالإضافة إلى ذلك، تناول الشيخ مسألة الغرر والضرر المتعلقة بتداول الفوركس، وأشار إلى أنه تم التوصل إلى تلك النتيجة من خلال التحذيرات التي تصدرها شركات التداول للتنبيه إلى المخاطر المرتبطة بهذا النوع من الاستثمار.
إذاً، يمكن القول بأن حسابات الفوركس التي تتخلص من الفوائد الربوية وتجنب فوائد التبييت تتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ويأتي ذلك استنادًا إلى آراء بعض العلماء المعاصرين. وعلى الرغم من ذلك، يجب التأكيد على أن تداول الفوركس قد يُعَد في رأي بعض العلماء المعاصرين معاملة محظورة، وذلك لأنه قد يتعارض مع بعض المحاذير الشرعية، كما هو الحال مع مسألة الرافعة المالية ومبدأ الغرر والضرر وغيرها.
متى يكون تداول الفوركس حلال ومتي يكون حرام؟
بناءً على الآراء السابقة، يمكن استخلاص أن تداول الفوركس قد يكون حلالًا في نظر بعض العلماء المعاصرين، شريطة تجنب المحاذير الشرعية، مثل شبهة الربا التي ترتبط بمسألة الرافعة المالية كما تم الإشارة إليها في الأعلى، وأيضًا مبدأ المفهوم الغرر والضرر، والمشكلة المتعلقة بالجمع بين سلف ومعاوضة و التقابض الحكمي حيث يعتبر بعض العلماء أن هذه المسائل تمثل مشكلات شرعية تجعل تداول الفوركس حرامًا شرعًا.
ومن ناحية أخرى، هناك بعض المفكرين المعاصرين الذين قد وصلوا إلى آراء فقهية متنوعة تم توضيحها في الأعلى بشأن مسائل مثل حكم الرافعة المالية، وموقف الفقهاء من التقابض الحكمي، والجمع بين سلف ومعاوضة، ومفهوم الغرر والضرر. تُظهِر هذه الآراء أنه بناءً على تجاوز تلك المشاكل الشرعية المحتملة التي تم الإشارة إليها في الأعلى، قد يُعتبر تداول الفوركس حلالًا شرعيًا وذلك بناءً على وجهات نظر مختلفة.
الأسئلة المتكررة حول ما هو حكم سوق الفوركس؟