هل الرافعة المالية حلال أم حرام؟

عمر ضاحي تم التحديث بتاريخ 2025-11-12

قد يتساءل الكثير من المتداولين الجدد أو المبتدأين كيف يمكن لشخص يمتلك رأس مال صغير أن يفتح صفقات كبيرة ويحقق أرباحًا مرتفعة في أسواق الفوركس والأسهم والعملات الرقمية؟ هنا يظهر دور الرافعة المالية، والتي تسمح للمتداول بفتح صفقات أكبر من قيمة رأس ماله الحقيقي. بفضل هذه الأداة يستطيع أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة التحكم في مبالغ كبيرة وتحقيق أرباح أعلى، لكن في المقابل قد تتضاعف الخسائر بنفس القوة إذا تحرك السوق عكس الاتجاه المتوقع. كما أن الرافعة أصبحت محل نقاش شرعي واسع، بين من يراها قرضًا ربويًا، ومن يجيزها بضوابط محددة خاصة عند استخدام الحساب الإسلامي. في هذا المقال سنتعرّف على معنى الرافعة المالية، وكيف يعمل الهامش، وهل يمكن التداول بدونها، بالإضافة إلى عرض أهم الأحكام الشرعية المتعلقة بها في الفوركس والأسهم والعملات الرقمية.

ما هي الرافعة المالية؟

الرافعة المالية هي أداة يقدمها وسيط التداول تسمح لك بالتداول بمبالغ أكبر من قيمة رأس مالك الحقيقي الموجود في حسابك. بمعنى آخر، تمنحك الرافعة المالية القدرة على فتح صفقات كبيرة باستخدام جزء صغير فقط من المال الموجود في حسابك المالي.

وكما يقال عزيزي القارئ بالمثال يفهم المقال فمثال ذلك ببساطة إذا كانت الرافعة المالية 1:100 فهذا يعني أن كل 1 دولار في حسابك يسمح لك بالتداول بقيمة 100 دولار. فلو أودعت عزيزي القارئ 100 دولار في حسابك للتداول فحينها يمكنك التحكم في صفقة قيمتها 10,000 دولار.

و يستخدم المتداولون الرافعة المالية لأنها تقلل المبلغ المطلوب لفتح الصفقات، و تجعل التداول على أزواج العملات والذهب ممكنًا برصيد بسيط كما يمكنها مضاعفة الأرباح إذا تحرك السوق في صالحك. ولكن يجب التنبية على أن نفس القوة هذه التي تضخم الأرباح قد تضخم الخسائر أيضًا، وذلك إذا تحرك السعر ضدك، فقد تخسر أموالك سريعًا بسبب حجم الصفقة الكبير.

ماذا يعني المتاجرة بالهامش؟

الهامش هو المبلغ الذي يقوم الوسيط بحجزه من رصيدك لتتمكن من فتح صفقة باستخدام الرافعة المالية أو هو المبلغ الذي يخصمه الوسيط من حسابك ليضمن قدرتك على إبقاء الصفقة مفتوحة.

و مثال ذلك لنفرض أنك تفتح صفقة قيمتها 20,000 دولار برافعة مالية 1:500، فالهامش المطلوب = 20,000 ÷ 500 = 40 دولار فقط ، فأنت هنا تتحكم في 20,000 دولار و لكن ما يتم حجزه فعليًا من رصيدك فقط 40 دولار وهذا هو الهامش.

وينقسم الهامش الى عدة أقسام تشمل:

  • الهامش المستخدم: و هو المبلغ الذي يحتجزه الوسيط للحفاظ على الصفقة مفتوحة، ويتأثر بنسبة الرافعة المالية.
  • إجمالي الهامش المستخدم: و هو مجموع الهامش المستخدم في جميع الصفقات المفتوحة، وغالبًا يُسمى ببساطة "الهامش".
  • الهامش الحر: و هو المبلغ المتاح لديك لفتح صفقات جديدة، ويتغير حسب الأرباح أو الخسائر العائمة.
  • مستوى الهامش: وهو نسبة حقوق الحساب مقابل الهامش المستخدم، وكلما ارتفعت النسبة كان الحساب في وضع آمن.

هل يمكن التداول بدون رافعة مالية؟

نعم، يمكن التداول بدون رافعة مالية، ويُعرف ذلك بالتداول بنسبة 1:1، أي أنك تستخدم رأس مالك الحقيقي فقط دون أي تمويل إضافي من شركة الوساطة وهنا سوف تحتاج رأس مال ضخم جدا لتحقيق ارباح عالية لتعويض ميزة الرافعة المالية في ذلك. أما غير ذلك يصبح حجم الصفقات محدودًا بقدر المبلغ المتوفر في حسابك.

ما يميز التداول بدون رافعة عزيزي القارئ أنه أقل مخاطرة، لأن السوق يحتاج تحركات كبيرة حتى يحدث تأثير ملحوظ على الحساب، كما أن خطر الإغلاق الإجباري Margin Call يكون شبه معدوم، مما يجعله خيارًا مناسبًا للمبتدئين أو لمن يفضلون تداولًا أكثر أمانًا.

لكن في المقابل، الأرباح تكون أقل مقارنة بالتداول باستخدام رافعة مالية، لأن حجم الصفقة صغير. لذلك، المتداولون أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة هم الأكثر استفادة من هذا النوع، بينما يلجأ غيرهم للرافعة لتكبير حجم الصفقة وتحقيق أرباح أسرع.

ما هو حكم الرافعة المالية في الشريعة الإسلامية؟

نود أن نوضح بدايةً أننا لسنا جهة لإصدار الفتاوى الشرعية، ولسنا مختصين في الإفتاء، وإنما ننقل آراء وفتاوى العلماء والجهات الشرعية الموثوقة. وقد اختلف العلماء المعاصرون حول حكم الرافعة المالية إلى قولين:

  • من يرى أنها محرمة مطلقًا.
  • ومن يرى جوازها بضوابط محددة.

أولًا: الفتاوى التي تُحرم الرافعة المالية

وهنا نعرض فتوىتين لموقع إسلام ويب وايضا دار الإفتاء العامه الاردنيه:

  • فتوى موقع إسلام ويب: عبر فتوى رقم 330769 على موقع إسلام ويب، وهو موقع معتمد يضم مجموعة من العلماء المتخصصين أن الرافعة المالية تُعد في حقيقتها قرضًا من الوسيط للمتداول، ولا يستطيع المتداول سحب هذا المال أو الانتفاع به خارج الحساب. كما أن الوسيط لا يمنح هذا القرض مجانًا، بل يستفيد من زيادة العمولات وحجم العمليات، مما يجعل هذا القرض جر نفعًا للمقرض. واستنادًا للقاعدة الشرعية: "كل قرض جر نفعًا فهو ربا"؛ خلصت الفتوى إلى أن التعامل بالرافعة المالية غير جائز شرعًا.
  • فتوى دار الإفتاء الأردنية: ذكرت دار الإفتاء العام الأردنية أن الرافعة المالية قرض يمنحه الوسيط للمتداول من أجل مضاعفة القوة الشرائية لرأس المال، مما يؤدي إلى زيادة حجم الأرباح المحتملة، وفي المقابل يحصل الوسيط على عمولات أكبر. ورغم عدم وجود “فائدة ربوية صريحة”، فإن المنفعة المتحققة للوسيط من العمولة تجعل القرض قرضًا جر منفعة. كما يُعد هذا التعامل جمعًا بين القرض والبيع، لأن التداول لا يتم إلا من خلال المقرض نفسه، وهذا محرم شرعًا. وبناءً على ذلك، انتهت الفتوى إلى أن أي معاملة تتضمن الرافعة المالية تُعد محرّمة.

ثانيًا: الفتاوى التي تجيز الرافعة المالية بضوابط

جاء رأي آخر على لسان الدكتور عبد الله رشدي الباحث في الشريعة الإسلامية، وإمام وخطيب مسجد السيدة زينب بمصر، حيث قال إن التداول باستخدام الرافعة المالية قد يكون جائزًا بشرط توفر ضوابط شرعية واضحة.

وأوضح أن الإشكال الشرعي يظهر عندما تكون الرافعة المالية قرضًا ربويًا يجر منفعة، أما إذا كانت الرافعة المالية تمويلًا يُقدَّم دون اشتراط منفعة على القرض، وكانت العمولة المدفوعة مخصّصة فقط لتنفيذ الصفقات وليس مقابل الإقراض، فإن التعامل يكون مباحًا.

واستكمل بقوله: أن ذلك يتم ويتحقق من خلال الحساب الإسلامي فإذا كان التداول يتم من خلال حساب اسلامي خالي من الفوائد الربوية أو الرسوم المرتبطة بالقرض، فحينها تكون الرافعة المالية جائزة. أما غير ذلك، فتدخل في دائرة التحريم كما في الفتاوى السابقة.

هل الرافعة المالية تعتبر قرض ام عقد تمويل؟

الرافعة المالية يمكن أن تُعامل شرعًا على أنها قرض أو عقد تمويل، ويختلف الحكم بحسب نوع الوسيط وشروط الحساب. فإذا كان الوسيط يقدّم الرافعة المالية دون حسابات إسلامية، أو يسمح بالتداول بها مع وجود عمولات مترتبة على الإقراض مثل رسوم التبييت أو أي عمولة تُدفع مقابل الرافعة ذاتها، فإنها تُعد في هذه الحالة قرضًا ربويًا جر نفعًا، كما أوضحنا في الفتاوى السابقة.

أما إذا كان الوسيط مثل شركة Exness يوفر حساب إسلامي، ويمنح المتداول إمكانية استخدام الرافعة المالية دون فرض عمولة على الإقراض أو أي رسوم مرتبطة بالقرض، وكانت العمولة مقتصرة على تنفيذ الصفقات فقط، فإنها في هذه الحالة تُعد عقد تمويل مباحًا شرعًا وفقًا لما ذكره بعض أهل العلم.

وبذلك يمكن القول إن الرافعة المالية تختلف طبيعتها حسب الاختيار بين كونها قرضًا أو عقد تمويل  وذلك حسب طبيعة حساب التداول هل يتيح ذلك أم لا، و الوسيط هل يوفر الخيارين ام يلزم المتداول باختيار معين.

عند استخدام الحساب الاسلامي هل تعتبر الرافعة المالية حلال؟

نعم، قد تُعتبر الرافعة المالية حلالًا عند استخدامها في حساب إسلامي، لأن أساس الحساب الإسلامي هو الالتزام بالضوابط الشرعية واجتناب المعاملات المحرمة. ومن أهم هذه الضوابط عدم فرض أي فوائد ربوية أو رسوم تبييت على الصفقات، وكذلك عدم فرض أي عمولة أو منفعة للوسيط مقابل تقديم الرافعة المالية. فإذا تحققت هذه الشروط، تُعامل الرافعة باعتبارها عقد تمويل مشروع وليست قرضًا ربويًا، وبذلك تكون جائزة.

لكن من المهم التنبيه إلى أن مجرد تسمية الحساب بأنه "إسلامي" لا يعني أن الرافعة المالية تصبح حلالًا تلقائيًا. فإذا كان الوسيط لا يفرض فوائد ربوية، لكنه يضيف زيادة في السبريد أو عمولة خاصة مقابل الرافعة المالية، فهذا يعتبر منفعة للمقرض، وبالتالي تكون الرافعة محرمة حتى لو كان الحساب إسلاميًا. وهذا ما أشارت إليه الفتاوى المذكورة سابقًا.

حكم استخدام الرافعة المالية في الأسواق المالية

فيما يلي نستعرض حكم الرافعة المالية في أبرز الأسواق المالية، والتي تشمل: سوق الفوركس، سوق الأسهم، وسوق العملات الرقمية:

حكم الرافعة المالية في سوق الفوركس 

وفقًا للفتوى رقم 483736 على موقع إسلام ويب، تعتبر الرافعة المالية في سوق الفوركس غير جائزة شرعًا، لأن الوسيط يمنح المتداول مبلغًا على شكل قرض ويشترط أن يتم التداول من خلاله، مما يجمع بين القرض والسمسرة بأجر، وهو ما نهى عنه الحديث الشريف: "لا يحل سلف وبيع". وبما أن الوسيط ينتفع من هذا القرض عبر العمولات، تُعد المعاملة قرضًا جر نفعًا ومحرمة، ولذلك يجب اجتناب استخدام الرافعة المالية تمامًا لضمان التداول وفق الضوابط الشرعية.

من ناحية أخرى، أوضح الدكتور عبد الله رشدي أن الرافعة المالية يمكن أن تكون حلالًا إذا تمت وفق ضوابط شرعية صارمة، مثل استخدام حساب إسلامي، واعتبار الرافعة عقد تمويلي مشروع وليس قرضًا ربويًا، وعدم فرض أي عمولات ربوية مثل عمولة التبييت، وفي هذه الحالة، يكون التداول بالرافعة المالية مباحًا شرعًا.

حكم المتاجرة في الأسهم مع وجود الرافعة المالية ورسوم التبييت

عزيزي القارئ، كما أوضحنا في الفتاوى السابقة، إن الرافعة المالية تكون جائزة إذا التزمت بالضوابط الشرعية، ومحرّمة إذا خالفتها. أما في حال وجود رسوم تبييت مع الرافعة المالية، فيكون الحكم محرّمًا بالإجماع، لأن رسوم التبييت تُعد فوائد ربوية يحصل عليها الوسيط مقابل بقاء الصفقة مفتوحة لليوم التالي، إضافة إلى أنها تعتبر عمولة على إقراض الرافعة المالية و تعتبر منفعة ناتجة عن القرض، فيدخل ذلك تحت قاعدة: “كل قرض جر نفعًا فهو ربا”.

وبناءً على ذلك، فإن التداول في الأسهم باستخدام الرافعة المالية مع وجود رسوم تبييت يُعد محرمًا شرعًا، سواء كان التداول عبر عقود الفروقات CFDs أو عبر شركات وساطة تتيح امتلاك الأسهم فعليًا. كما لا يغيّر الحكم كون الأسهم مباحة أو تابعة لشركات مباحة مثل شركات السيارات أو الملابس أو الأغذية، لأن التحريم هنا مرتبط بالعقد الربوي وليس بنوع الشركة.

وهذا ما أكدته فتوى دار الإفتاء العامة الأردنية، وكذلك موقع إسلام ويب، اللذان نصّا على تحريم التعامل بالرافعة المالية إذا تضمنت فوائد أو رسوم ربوية مهما كان نوع الأصل المتداول كما وضحنا سابقا.

حكم الرافعة المالية في العملات الرقمية

تتم عادةً تجارة العملات الرقمية عبر منصات متخصّصة مثل منصة باينانس، حيث يتم شراء العملات الرقمية وامتلاكها بشكل فعلي. لكن يمكن أيضاً تداولها من خلال شركات الوساطة مثل الفوركس والسلع والأسهم، وذلك عبر نظام عقود الفروقات CFDs. وفي هذه الحالة، تُستخدم الرافعة المالية أثناء التداول، وبالتالي ينطبق عليها نفس الحكم الشرعي المطبّق على الرافعة المالية في الفوركس والأسهم والمؤشرات.

فإذا تم تداول العملات الرقمية بعقود الفروقات باستخدام حساب إسلامي خالي من الفوائد الربوية ورسوم التبييت، وكانت الرافعة المالية تُعامل كعقد تمويل مباح وليس قرضًا ربويًا كما أشار الدكتور عبد الله رشدي فإن التداول يكون جائزًا. أما إذا كانت الرافعة تتضمن فوائد، أو منفعة للمقرض، أو عمولات مرتبطة بالقرض كما جاء في فتوى موقع إسلام ويب فإن التعامل يصبح محرّمًا شرعًا.

كما يجدر التنبيه عزيزي القارئ إلى أن بعض المنصات المتخصّصة في العملات الرقمية أصبحت توفر التداول بالرافعة المالية حتى عند امتلاك العملة فعليًا، وليس فقط عبر عقود الفروقات. ومع ذلك، يبقى الحكم واحدًا: إن تمت العملية وفق الضوابط الشرعية فهي جائزة، وإن خالفتها فهي محرمة.

الأسئلة المتكررة حول هل الرافعة المالية حلال أم حرام؟

في بعض الحالات نعم، إذا كان الوسيط يقدّم الرافعة على شكل قرض يستفيد منه عبر العمولات أو رسوم التبييت، فتُعتبر قرضًا جر نفعًا. أما في الحسابات الإسلامية الخالية من هذه الرسوم فقد تُعامل كعقد تمويل مباح.

إذا لم يترتب عليها فوائد ربوية أو عمولات خاصة مقابل الإقراض، وكانت العمولة فقط لتنفيذ الصفقات، فهي جائزة عند من يرى أنها عقد تمويلي مشروع. أما إذا وُجدت منفعة للمقرض فهي محرّمة.